بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
أما بعد :
*
جُبِلَ بنو آدم على حٌـبِّ الشهوات , قال تعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ
حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ
الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ
عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } (14) سورة آل عمران
قال السعدي - رحمه
الله - : (يخبر تعالى أنه زين للناس حب الشهوات الدنيوية , وخصَّ هذه
الأمور المذكورة لأنها أعظم شهوات الدنيا , وغيرها تبعٌ لها , قال تعالى :
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا } فلمَّا زُيِّنت
لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات , تعلَّقت بها نفوسهم ,
ومالتْ إليها قلوبهم , وانقسموا بحسب الواقع إلى قسمين :
قسمٌ
جعلوها هي المقصود , فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها
, فشغلتهم عمَّا خُلِقوا له .. فهؤلاء كانت زاداً لهم إلى دار الشقاء
والعناء والعذاب .
والقسم الثاني : عرفوا المقصود منها , وأنَّ الله
جعلها ابتلاءً وامتحاناً لعباده , ليعلمَمن يُقدِّم طاعته ومرضاته على
لذاته وشهواته , فجعلوها وسيلة لهم وطريقاً يتزودون منها لآخرتهم, ويتمتعون
بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته , قدْ صحبوها بأبدانهم ,
وفارقوها بقلوبهم .. فهؤلاء صارت لهم زاداً إلى ربهم ) انتهى .
واعلم أنَّ من أعظم أسباب محبة الله عز وجل للعبد , إيثارهُ رضا ربه جل وعلا .
قال
أبو حازم - رحمه الله - : ( شيئان إذا عملتَ بهما أصبتَ خير الدنيا
والآخرة , لا أطْوَلَ عليك : تحمُّل ما تكره إذا أحبَّه الله , وتترك ما
تحب إذا كرهه الله )
لكن : لماذا يبتلي اللهُ عبده المؤمن بالشهوة ؟!
قال
ابن قيِّم الجوزية - رحمه الله - : ( ما ابتلى اللهُ سبحانه عبدَهُ المؤمن
بمحبة الشهوات والمعاصي وميل النفس إليها إلا ليسوقه بها إلى محبة ما هو
أفضل منه وأنفع وأخير وأدوم , وليجاهد نفسه على تركها لله , فتورثه هذه
المجاهدة محبة الله والوصول إلى المحبوب الأعلى , فكلما نازعته نفسه إلى
تلك الشهوات واشتدَّت إرادته لها وشوقه إليها ؛ صَرَفَ ذلك الشوق والإرادة
بشوق أعظم , ومحبةٍ أكبر , وهي محبة الله عز وجل ) " الفوائد " .
(
وليسَ مَن آثر محبوبة مع منازعة نفسه , كمن آثره مع عدم منازعتها , فلماذا
كان صالحو البشر أفضل من الملائكة ؟ لأنَّ اللائكة ليس لديهم شهوات
ومنازعات , منقادون إلى الله بطبيعتهم , يسبحون الليل والنهار لا يفترون
... لكن الذي الذي يسبح ويعبد دون أن يفتر , مع منازعة نفسه والشهوات ومع
هذه العوائق والعلائق هو صامدٌ صابر ؛ هذا أعلى .
ولماذا كانت المرأة من
البشر من أهل الجنة أفضل من الحور العين ؟ كانت أفضل بمجاهدتها نفسها ,
ومراغمتها نفسها , والتغلب على الشهوات وصبرها وصلاتها وصومها وعبادتها ..
فهي بهذا أحسن من الحور العين .
فهو سبحانه يبتلي عبده بالشهوات :
* إما حجاباً له عنه
* أو حجاباً له يوصِله إلى رضاه )
من كلام الشيخ محمد بن صالح المنجد - حفظه الله -