غيرة الزوجة على زوجها هي حالة شعورية، تتفاوت حدتها ودرجاتها بين امرأة وأخرى، فعند بعض النساء تكون الغيرة معتدلة ومقبولة وطبيعية معقولة، بل وممتعة للرجل، وبمثابة إعلان من زوجته له بأنها تحبه.. وعند بعض النساء تكون الغيرة طاغية وزائدة على حدها، وحينئذ تكون بمثابة نار مستعرة، تشتعل في القلب، فتقضي على الأخضر واليابس في العلاقة الزوجية، وتؤدي إلى مشكلات أسرية واجتماعية، تنعكس على أفراد الأسرة جميعاً، ويكون لها آثار سلبية في شتى مجالات الحياة - هل الغيرة حالة ضعف؟ قد تكون الغيرة حالة من حالات ضعف المرأة، وقد تنتج من ضعف ثقتها بنفسها، ومن ثم فعلى الزوج أن يعي ذلك جيداً، وأن يراعيه في تعامله مع المرأة، وخاصة عندما تغار عليه، وبناء على ذلك يجب عليه أن يحتويها، وألا يتهمها بضعف ثقتها بنفسها أو قلة عقلها، حتى إن كان ذلك صحيحاً وواقعاً. - هل يمكن أن يكون الرجل سبباً في غيرة زوجته؟ هناك من الرجال من يثير غيرة زوجته، ويكون ذلك أحياناً من قبيل المزاج، وأحياناً أخرى يكون استفزازاً، أو بهدف معرفة مدى حبها له، وقد يقارن بينها وبين فنانة أو مذيعة، أو يثني على زميلة له في العمل، أو واحدة من الجيران، وهذا كله يثير النساء جميعاً، وإن اختلفت درجات الإثارة من امرأة إلى أخرى، فبعضهن يصمتن وهن كارهات، وبعضهن يثرن بسبب ذلك، ويفقدن أعصابهن، وتنتابهن حالة من الغضب.. وإثارة الرجل غيرة زوجته - أياً كان السبب أو الهدف - إنما هو من الأخطاء الشائعة التي ينبغي للرجل تلافيها وتجنبها. لذلك يجب على الزوج أن يمتص ردود فعل زوجته الناتجة من غيرتها عليه، وأن يتجنب المزاج والاستفزاز المثيرين للغيرة، وأن يتجنب مقارنتها بغيرها، أو مدح امرأة أخرى أمامها، أو الاهتمام بامرأة أخرى أكثر من زوجته، فهي قد تصمت لكنها تكون غير راضية، بل غاضبة، وربما ينفجر غضبها في أي لحظة، دون سابق إنذار، وتلك طبيعة أغلب النساء. - التملك أم الحب.. أيهما يدفع إلى الغيرة؟ قد تقع الغيرة بدافع من الحب، وأحياناً بدافع من التملك، ويتوقف ذلك على شخصية الزوجة وسماتها النفسية، ومدى الثقة بينها وبين زوجها. - هل تغار الزوجة من الحور العين؟ قالت إحدى الزوجات ذات مرة: إني أغار على زوجي غيرة شديدة، وأعلم أنه زوج صالح، وأتوقع أن تكون له زوجات - لا زوجة واحدة - في الجنة من الحور العين، وإني أخشى أن تكون له زوجات أخرى من الحور العين فتمزقني الغيرة!! لقد فات هذه المرأة أن الله سبحانه وتعالى ينزع الغيرة والغل من صدور أهل الجنة، ومن ثم فلن تغار امرأة على زوجها، وإن كانت المرأة صالحة كانت مع زوجها في الجنة، وكانت هي سيدة نسائه بمن فيهن الحور العين، قال تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (الأعراف:43). فليس في الجنة إلا النعيم والسرور، ولا مكان للغيرة والحقد والغل في قلوب أهل الجنة، إناثاً وذكوراً، والحور العين من خلق الله تعالى إكراماً لأهل جنته زيادة في نعيمهم، ولن يكون في قلب المرأة ما يكون تجاه ضرائرها في الدنيا، كما أن الرجل يُعطى قوة مائة رجل في الجماع، ومن ثم لا يؤثر كثرة العدد. عن زيد بن أرقم قال: قال لي رسول الله [: «إن الرجل من أهل الجنة يعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والشهوة والجماع»، فقال رجل من اليهود: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة - أي يحتاج إلى الخلاء ليتبول ويتبرز - فقال رسول الله [: «حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده، فإذا بطنه قد ضمر»؛ أي انهضم ما في بطنه من الطعام. (رواه أحمد وصححه ابن حبان 16/443، والشيخ الألباني في صحيح الجامع 1627). وعن أنس عن النبي [ قال: «يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع»، قيل: يا رسول الله، أو يطيق ذلك؟ قال: «يعطى قوة مائة»(رواه الترمذي، وصححه ابن حبان 16/413، والألباني في صحيح الجامع 8106). وتشير الأحاديث النبوية الشريفة إلى أن أقل زوج من أهل الجنة ستكون له زوجتان اثنتان، فعن أبي سعيد الخدري ] أن رسول الله [ قال: «إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة، ومثل له شجرة ذات ظل.. قال: ثم يدخل بيته، فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين، فتقولان: الحمد الذي أحياك لنا وأحيانا لك. قال: فيقول: ما أعطي أحد مثل ما أعطيت»(رواه مسلم). وقد ورد أن للرجل من أهل الجنة - في اليوم الواحد - ما يصل إلى مائة عذراء، إذ روى أبو نعيم في «صفة الجنة» عن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال: «إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء، يعني في الجنة»(صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 367). كما ورد أن للشهيد اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، فعن المقداد بن معدي كرب قال: قال رسول الله [: «للشهيد عند الله ست خصال، يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه»(رواه الترمذي 1663، وابن ماجه 2799، وصححه الألباني). - إذا تزوجت المرأة بأكثر من رجل.. فمع من تكون في الجنة؟ هذا السؤال فيه ثلاثة أقوال لأهل العلم: الأول: أنها تكون مع أحسنهم خلقاً كان معها في الدنيا.. وهذا الرأي أدلته ضعيفة كما يراها علماء الحديث. الثاني: أنها تخير بينهم، وهذا الرأي لا دليل عليه لكل ما قيل فيه ضعيف. الثالث: أنها لآخر زوج تزوجته في الدنيا، وهذا القول هو الأقوى، والأقرب للصواب، حسبما رأى علماء الحديث، وذلك لحديث أسماء بنت أبي بكر، حيث كانت تحت الزبير بن العوام، وكان شديداً عليها، فأتت أباها فشكت ذلك إليه، فقال: يا بنية، اصبري، فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح، ثم مات عنها، فلم تزوج بعده، جُمع بينهما في الجنة». قال الشيخ الألباني يرحمه الله: ورجاله ثقات إلا أن فيه إرسالاً، لأن عكرمة لم يدرك أبا بكر إلا أن يكون تلقاه عن أسماء بنت أبي بكر، والله أعلم. (السلسلة الصحيحة 3/276). ومن الغيرة ما قتل دفع رجل عربي (35 عاماً) ثمناً غالياً عندما غارت زوجته غيرة جنونية لما تزوج بزوجة ثانية، برغم أنه شاور زوجته الأولى، التي أقعدها المرض، ولم تستطع أن تربي أولادها الستة، فوافقت لمرضها، ولكنها بعد زواجه بالثانية سكبت ماء النار على وجهه هو وزوجته الثانية، وقد جاء ذلك مباغتة لهما وهما نائمان، فظل الرجل شهوراً في غيبوبة وقد أصيب بحروق نسبتها 55%، وأصيبت زوجته الجديدة بحروق بنسبة 47%، حسبما ورد في التقرير الطبي لكل منهما! يقول الزوج: لم أشعر إلا وكأن كهرباء بلد كامل يصعقني، ورأيت لحمي يتساقط، واحترقت إحدى عينيّ، وحيث ركزت زوجتي الأولى على وجهي، وبينما أنا كذلك إذ بزوجتي الثانية تصرخ هي الأخرى، حيث أصابها ما أصابني، فعلمت أن زوجتي الأولى - التي خلا قلبها من ذرة رحمة - هي التي فعلت هذه الفعلة الشنيعة.. ولقد تنازلت بعد ذلك عن حقي، لكنها لا تزال سجينة في الأردن، لأن أهل زوجتي الثانية لم يتنازلوا عن حق ابنتهم، ويرغبون في أن تنال زوجتي الأولى عقوبتها. إن مثل هذه الغيرة مذمومة، بل هي نقمة على الحياة الزوجية والأسرية، وهي بلا شك حالة مرضية، وانحراف نفسي، يدفع الشخص إلى الانتقام ممن يغار عليه. أما عندما تكون الغيرة طبيعية وليست طاغية، فهي شعور طبيعي، يمكن استيعابه. عندما تتحول الغيرة إلى شك قد تصير الحياة الزوجية جحيماً لا يطاق إذا وصلت إلى الشك الذي يدفع الزوجة إلى التجسس على زوجها واتهامه بالخيانة، دون أن يتصرف الزوج تصرفات توجب هذا الشك وتؤكده، فهناك زوجة تحاسب زوجها وتغار عليه في كل صغيرة وكبيرة، وكل حركة، وتحسب عليه أي كلمة، وهي بذلك لا تدري أنها تجلب على حياتها الزوجية الكدر والنكد، وتفرغها من أي سعادة أو هناء. - متى تكون الغيرة إيجابية؟ الغيرة حالة فطرية لا يُستثنى منها أحد من البشر، وهي موجودة في كل بيت، وداخل كل أسرة، ولقد غارت أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن أجمعين، وكان الرسول [ يقابل غيرتهن هذه بالابتسامة والدعابة، فعندما غارت عائشة رضي الله عنها من صفية لما أرسلت بإناء فيه طعام إلى رسول الله [ وكسرت الإناء من شدة الغيرة، ثم أدركت أنها أخطأت، فسألت النبي [: «ما كفارة ذلك؟»، فأجابها: «إناء مثل إناء، وطعام مثل طعام»، وعلق على غيرة السيدة عائشة بقوله: «غارت أمكم». ولقد أكد رسولنا الحبيب وجود الغيرة الإيجابية كصفة محمودة، بل أخبر بهذه الصفة ناسباً إياها لله عز وجل، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي [ حدثته أن رسول الله [ خرج من عندها ليلاً، فقالت: فغِرتُ عليه، فجاء، فرأى ما أصنع. فقال: «ما لك يا عائشة؟ أغرتِ؟»، فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك...» الحديث. زوجة الرجل المشهور.. والغيرة قد يقدر للرجل أن يعمل بمهنة تقتضي أن يقدم خدمات للناس جميعاً.. ذكورهم وإناثهم، كالطبيب مثلاً، أو المستشار، أو الشيخ العالم، أو الأستاذ الجامعي الذي يشرف على المعيدات والمدرسات المساعدات والباحثات في الرسائل والبحوث العلمية، وهنالك تكون الظروف مواتية لوجود الغيرة لدى الزوجة على زوجها. وهنا يجب على الزوج أن يتعامل بجدية وحسم يخالطه الذوق مع من يعاملهن من النساء، ولا يتبسط معهن، ولا يتحدث إلا في إطار ما تقتضي حوائجهن، كما يجب على الزوج أن يراعي طبيعة زوجته كأنثى تغار، فلا يثير غيرتها، ولا يكثر من ذكر النساء اللاتي يستشرنه، وأن يخلص العمل لله تعالى، وأن يراجع النية بين الحين والآخر، وأن يعطي زوجته حقوقها، ويقترب منها، كي يشعرها بحبه لها واهتمامه بها، وأن يخفف أو يتجنب قدر الإمكان الاتصالات الهاتفية أو الرد عليها في أثناء وجوده بالبيت، وحتى يشبع زوجته عاطفياً في فترة وجوده، ولنا في رسول الله أسوة حسنة في ذلك، فقد كان في خدمة أهله وعند رغباتهن، وكان بسَّاماً ضحَّاكاً في بيته، مهتماً بأهله، يدعمهن عاطفياً، ومن ثم فعلى الداعية أو المشهور أن يراعي ذلك. والمسؤولية مشتركة، فهي لا تقع على الزوج المشهور وحده، بل ينبغي للزوجة أيضاً أن تدرك أن لشهرة زوجها ضريبة، وعليها تبعات ومسؤوليات، وأن لها بركات على زوجها وعليها، لأنه قائم على خدمة الناس، وفي ذلك أمر عظيم له وللزوجة الصابرة الراضية، فكما يقال: «كل فتاة بأبيها معجبة»، فيقال أيضاً: «كل زوجة بزوجها معجبة». فمن الخطأ أن تنظر الزوجة إلى شهرة زوجها من زاوية واحدة، بل تنظر إليها أيضاً كنعمة من الله، وأن كل زوجة تتمنى أن يكون زوجها مشهوراً متميزاً، ومن هنا فلتقلل الزوجة من أسئلة التحقيق وكأنها قاض أو وكيل نيابة أو ضابط شرطة - وخاصة بعد انتشار وسائل الاتصال والتكنولوجيا كالهواتف والإنترنت - فكثير منهن يسأل الزوج: من المتصل؟ ولماذا تكلمها؟ وماذا بينكما؟ ولماذا تفعل؟ ومتى عرفتها؟ وكم سنها؟ وما لونها؟ وما *******يتها؟ ولماذا تتحدث معها بلطف؟ وترفع صوتك عليَّ؟ فبدلاً من ذلك فلتحاول الزوجة أن تحتوي زوجها عاطفياً، وتجذبه إليها بكلماتها ونظراتها وحسن استقبالها له بالابتسامة المشرقة والتزين له، لتصرفه عن التفكير في غيره