حتى هذه اللحظة ستكون بطولة لبنان لكرة السلة المقرر انطلاقها في 15 كانون الأول المقبل ناقصة أحد الفرق العريقة في السلة اللبنانية ، أنترانيك ، انسحب من المنافسة ، أما السبب فهو الأوضاع الاقتصادية – السلوية المتراجعة .
عام 2000 حلّ أنترانيك وصيفاً لبطل لبنان في كرة السلة ، في تلك الأيام عرف النادي الأرمني فترة من أفضل أيامه فنياً في موازاة بحبوحة مالية أيضاً ، إذ وصلت العائدات من بيع الإعلانات في ملعب سنتر ديميرجيان الذي كان قد افتتحه في تشرين الأول من عام 1996 ، إلى 400 الف دولار .
بالطبع هذا المبلغ كان ضمانة للموسم الذي تلاه من أجل الاستمرار في تقديم فريقٍ يليق باسم أحد أعرق الاندية التي عرفتها كرة السلة اللبنانية على صعيدي الرجال والسيدات ( فاز بأول ألقاب السيدات عام 1959 وسيطر عليه بين 2002 و 2012 ) . لكن المفارقة أنه اليوم في عام 2015 وفي عصر « دعم الأشخاص » لا « المؤسسات » للعبة ، لم يتمكن أنترانيك من توفير أقل من المبلغ المذكور من أجل أن يضمن حضوره في بطولة الدرجة الأولى رجالاً ، ما دفعه إلى الانسحاب منها ، تاركاً البطولة مبتورة ، إذ على ما يبدو فإن الموسم الجديد سينطلق في كانون الأول المقبل بتسعة فرق .
بميزانية تراوح بين 300 و 350 ألف دولار ، كان أنترانيك يرصد إعداد فريقٍ للموسم الجديد بعد عودته إلى مكانه الطبيعي في الدرجة الأولى ، إلا أن هذا الأمر تعذّر ، حيث أفادت مصادر بأن النادي الأرمني لم يتمكن من توفير سوى نسبة غير كافية من الميزانية المرصودة ، فكان قرار الانسحاب الذي حُكي عنه كثيراً في الأيام القليلة الماضية .
لكن المفارقة أن قصة انسحاب أنترانيك من بطولة لبنان للدرجة الأولى ليست جديدة ، إذ كانت إدارته قد تقدّمت بكتاب الانسحاب هذا إلى الاتحاد اللبناني للعبة ضمن المهلة القانونية لتأكيد المشاركة في البطولة من عدمها ، إذ وصل كتابها إلى مقرّ الاتحاد في 31 تموز الماضي . ويبدو أن اتحاد كرة السلة لم يحدث أي ضجيج بخصوص هذا الموضوع ، آملاً ربما عودة أنترانيك عن قراره ، وذلك في موازاة سعي إلى إقناع العمل بكفيا بالحلول مكانه في البطولة ، حيث علمت « الأخبار » أن رئيس الاتحاد وليد نصار تواصل مع إدارة الأخير من دون أن يجد لديها أي رغبة في الصعود .
الحقيقة أنّ انسحاب أنترانيك هي مشكلة بالنسبة إليه بعدما سعى جاهداً للعودة إلى الأضواء ، لكن المشكلة الفعلية هي ما يمكن أن تعيشه كرة السلة اللبنانية مستقبلاً ، إذ لا يمكن إسقاط مسألة أن ما حصل مع النادي المنسحب قد يكون مقدّمة لما قد يحصل في مواسم مقبلة لأسباب ترتبط بالوضع الاقتصادي في البلاد بشكلٍ عام ، وباللعبة بشكلٍ خاص ، والدليل انسحاب ناديين أيضاً عشية انطلاق الموسم الماضي وهما المركزية الذي صعد وقتذاك إلى الأولى ، وعمشيت الذي حضر بقوة فيها . رئيس نادي أنترانيك ونائب رئيس الاتحاد اللبناني فيكين جرجيان يبدو واقعياً في حديثه عن أسباب الانسحاب ، إذ يقول في اتصالٍ مع « الأخبار » : « لم نكن نريد أن نرمي المال من دون فائدة ، أي أن نضع ميزانية بسيطة ونلعب في الدرجة الأولى ثم نهبط مجدداً ، لذا أبلغنا الاتحاد بقرارنا باكراً لكي تعلم الفرق الأخرى ماهية برنامج البطولة ، ولكي نفسح المجال أمام فريقٍ آخر يملك الميزانية المطلوبة للحلول مكاننا » .
لكن مسألة استبدال أنترانيك بفريقٍ آخر دونها عقبات ، اذ يحتاج الامر الى جمعية عمومية او الى موافقة اندية الدرجة الاولى بالإجماع . والنقطة الاخيرة يصعب حدوثها ، خصوصاً ان فريقاً او اكثر سيكون مستفيداً من انسحاب انترانيك بحيث يضمن بقاءه لموسمٍ اضافي .
لكن ماذا عن وضع اللعبة بشكلٍ عام ومدى انجذاب المعلنين اليها على غرار ما كان عليه الامر في الماضي ؟
يجيب جرجيان قائلاً : « بصراحة هناك معلنون يرون سلبية في وضع اللعبة ويحكون عن اتحاد لا يجتمع وعن رؤية غير واضحة ، وهي مسألة تُبعد المستثمرين . لا استطيع ان انفي هذا الامر ، اذ مثلاً كاتحاد اجتمعنا اخيراً وخرجنا بقرار اعتماد ثلاثة لاعبين اجانب على ارض الملعب وحددنا موعد البطولة ، لكن لم تتم دعوتنا الى اي اجتماعٍ آخر بعدها . لا اعلم السبب ، لكن ربما الرئيس غير متحمس » .
اذاً هي ضخامة الميزانيات التي لم تعد تحتملها بعض الاندية ، اذ حتى قاعدة الاجانب الثلاثة قد لا تساعد ، مع ذهاب اندية مرتاحة مادياً الى استقدام اسماء بمبالغ كبيرة ، ما يقضي على آمال البعض الآخر فنياً او يسبب إفلاسها اذا ما ارادت مجاراتها . لكن الامل يبقى في ألا تواجه اللعبة افلاساً من نوعٍ آخر ، فاليوم أنترانيك وغداً قد يكون اسماً آخر .