محمود درويش أنا آت إلى ظلّ عينيك ..آت من خيام الزّمان البعيد، و من لمعان السّلاسل أنت كل النّساء اللواتي مات أزواجهنّ، و كل الثّواكل أنت أنت العيون التي فرّ منها الصّباح حين صارت أغاني البلابل ورقاً يابساً في مهبّ الرّياح! أنا آت إلى ظلّ عينيك.. آت من جلود تحاك السّجاجيد منها.. و من حدقات علّقت فوق جيد الأميرة عقداً. أنت بيتي و منفاي.. أنت أنت أرضي التي دمّرتني أنت أرضي التي حوّلتني سماءً.. و أنت كل ما قيل عنك ارتجال و كذبه لست سمراء، لست غزالاً و لست النّدى و النّبيذ، و لست كوكباً طالعاً من كتاب الأغاني القديمة عندما ارتجّ صوت المغنين.. كنت لغة الدّم حين تصير الشّوارع غابه و تصير العيون زجاجاً و يصير الحنين جريمةً لا تموتي على شرفات الكآبه كلّ لون على شفتيك احتفال بالليالي التي انصرمت.. بالنّهار الذي سوف يأتي اجعلي رقبتي عتبات التّحول، أوّل سطر بسفر الجبال الجبال التي أصبحت سلماً نحو موتي ! والسّيط التي احترقت فوق ظهري وظهرك سوف تبقى سؤالاً أين سمسار كلّ المنابر؟ أين الذي كان.. كان يلوك حجارة قبري وقبرك ما الذي يجعل الكلمات عرايا؟ ما الذي يجعل الرّيح شوكاً، و فحم الليالي مرايا؟ ما الذي ينزع الجلد عنّي، و يثقب عظمي؟ ما الذي يجعل القلب مثل القذيفه؟ وضلوع المغنين ساريةً للبيارق؟ ما الذي يفرش النّار تحت سرير الخليفة؟ ما الذي يجعل يجعل الشّفتين صواعق؟ غير حزن المصفد حين يرى أخته.. أمّه.. حبه لعبةً بين أيدي الجنود و بين سماسرة الخطب الحامية فيعضّ القيود. و يأتي إلى الموت.. يأتي إلى ظلّ عينيك.. يأتي! أنا آت إلى ظلّ عينيك.. آت من كتاب الكلام المحنّط فوق الشّفاه المعاده أكلت فرسي، في الطّريق، جراده مزّقت جبهتي، في الطّريق، سحابه صلبتني على الطّريق ذبابة! فاغفري لي.. كل هذا الهوان، اغفري لي انتمائي إلى هامش يحترق ! واغفري لي قرابه ربطتني بزوبعة في كؤوس الورق واجعليني شهيد الدّفاع عن العشب والحبّ والسّخرية عن غبار الشّوارع أو غبار الشّجر عن عيون النّساء.. جميع النّساء و عن حركات الحجر. و اجعليني أحب الصّليب الذي لا يحب واجعليني بريقاً صغيراً بعينيك حين ينام اللهب أنا آت إلى ظلّ عينيك.. آت مثل نسر يبيعون ريش جناحه و يبيعون نار جراحه بقناع. و باعوا الوطن بعصا يكسرون بها كلمات المغنّي و قالوا: اذبحوا و اذبحوا.. ثم قالوا هي الحرب كرّ وفرّ ثم فرّوا.. وفرّوا وفرّوا.. و تباهوا.. تباهوا.. أوسعوهم هجاءً وشتماً، و أودوا بكلّ الوطن ! حين كانت يداي السّياج، و كنت حديقه لعبوا النّرد تحت ظلال النّعاس حين كانت سياط جهنّم تشرب جلدي شربوا الخمر نخب انتصار الكراسي !.. حين مرت طوابير فرسانهم في المرايا ساومونا على بيت شعر، و قالوا: ألهبوا الخيل. كل السّبايا أقبلت أقبلت من خيام المنافي كذبوا، لم يكن جرحنا غير منبر للذي باعه.. باع حطين.. باع السّيوف ليبني منبر نحو مجد الكراسي! أنا آت إلى ظلّ عينيك.. آت من غبار الأكاذيب.. آت من قشور الأساطير آت أنت لي.. أنت حزني و أنت الفرح أنت جرحي و قوس قزح أنت قيدي و حرّيتي أنت طيني و أسطورتي أنت لي.. أنت لي بجراحك كل جرح حديقة ! أنت لي.. أنت لي.. بنواحك كل صوت حقيقه أنت شمسي التي تنطفئ أنت ليلي الذي يشتعل أنت موتي، وأنت حياتي وسآتي إلى ظلّ عينيك.. آت وردةً أزهرت في شفاه الصّواعق قبلةً أينعت في دخان الحرائق فاذكريني..إذا ما رسمت القمر فوق وجهي، وفوق جذوع الشّجر مثلما تذكرين المطر و كما تذكرين الحصى والحديقه واذكريني، كما تذكرين العناوين في فهرس الشّهداء أنا صادقت أحذية الصّبية الضّعفاء أنا قاومت كل عروش القياصرة الأقوياء لم أبع مهرتي في مزاد الشّعار المساوم لم أذق خبز نائم لم أساوم لم أدقّ الطّبول لعرس الجماجم و أنا ضائع فيك بين المراثي وبين الملاحم بين شمسي و بين الدّم المستباح جئت عينيك حين تجمّد ظلّي و الأغاني اشتهت قائليها.