*بسم الله الرحمان الرحيم*
*السلام عليكم ورحمة الله و بركاته*
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ،
مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ،
وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله .. اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ،
ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً ..
أمْا بَعد ...
*قيل للحسن البصري رحمه الله :ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوها ؟ فقال **لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم من نوره** .
نعم انه قيام الليل و الخلوة برب العالمين و الناس نيام، اعلم رعاك الله ان الخير كل الخير في هذه الصلاة التي قال عنها خير من دب على هذه الارض محمد صلى الله عليه وسلم(أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ صَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ )، ان هذه الصلاة تغافل عنها جم غفير، وان سمعوا اخبار سلفنا الصالح و حرصهم على هذه العبادة ظنوا ذلك من التنطع و التشدد و الغلو في الدين، لكن انظر فدائما هناك فريقان فريق علم و عمل و فريق علم و لم يعمل!!!!،
قد يتسال بعضكم من الذي علم و عمل و من الذي علم لم يعمل، والجواب في غاية البساطة و هذا ما سنبينه ان شاء الله :
** الفريق الاول يضم سلفنا الصالح لانهم علموا ان نهاية كل شيئ موت، وان الموت في حد ذاته بداية كل شيء، فالموت ليس نهاية الطريق كما يظن الكثير (((منا))) بل هو بداية السعاد او الشقاء و الفوز او الخسران و في هذه المرحلة لا ينفع الندم بل ينفع العمل الصالح، لذلك لما ادرك السلف هذا الامر سارعوا لطاعة ربهم مصداقا لقوله جل في علاه (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) فلم يركنوا لهذه الدنيا الزائلة، بل جعلوها سببا في فوزهم لانها دار التكليف والاخرة دار الجزاء ولا يخفى عليك ان الجزاء من جنس العمل، فهم عملوا على تحصيل كل ما يقربهم لربهم ولو على حساب صحتهم و انفسهم مصداقا لقوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ )، فقاموا ليلهم وصاموا نهارهم و مع ذلك لاموا انفسهم لتقصيرهم في حق ربهم.
فكان الواحد منهم يعظم ذنوبه ويخاف عقاب ربه، وفي نفس الوقت يطمع في عفو ربه، فقد جمعوا بين الخوف والرجاء، اللذان ما اجتمعا في عبد الا نجا فتامل ذلك جيدا رعاك الله.
و من الاعمال والقربات التي لم يتركوها قيام الليل، فكان الواحد منهم يراه سببا في محبة الناس لقائمه فهذا سيد التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله يقول : ( إن الرجل ليصلي بالليل ، فيجعل الله في وجه نورا يحبه عليه كل مسلم، فيراه من لم يره قط فيقول : إن لأحبُ هذا الرجل !!) .
وهناك من جعله سببا لاطلاق كلمة العابد على الانسان، لذلك قال ثابت البناني رحمه الله : (لا يسمى عابد أبداً عابدا ، وإن كان فيه كل خصلة خير حتى تكون فيه هاتان الخصلتان : الصوم والصلاة ، لأنهما من لحمه ودمه !!).
بل جعلوا تارك هذا الفضل محروما و هو حقا محروم، كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى : ( إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل ، كبلتك خطيئتك). و هذا رجل سال الحسن البصري فقال:إني أعصي الله وأذنب، وأرى الله يعطيني ويفتح علي من الدنيا،ولا أجد أني محروم من شيء فقال له الحسن: هل تقوم الليل فقال: لا، فقال: ( كفاك أن حرمك الله مناجاته).
اعلم حفظك الله ان الكلام حول هذا الفريق يطول و لا اريد الاطالة عليكم فساختم الكلام عنهم بما قاله عطاء الخرساني رحمه الله :*إن الرجل إذا قام من الليل متهجداً أًبح فرحاً يجد لذلك فرحاً في قلبه ، وإذا غلبته عينه فنام عن حزبه ( أي عن قيام الليل ) أصبح حزيناً منكسر القلب ، كأنه قد فقد شيئاً ، وقد فقد أعظم الأمور له نفعا ( أي قيام الليل )*.( تاملوها جيدا).
**اما الفريق الثاني هو من علم و لم يعمل، و هم (((نحن))) للاسف، فترى الواحد منا ينام و ينام وينام ولا يمل من النوم، بل ان النوم قد يمل منه، لانه في الحقيقة نائم، فقد قيل الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا فاذا انتبهوا ندموا يوم لا ينفع الندم.
و اعلم انك لا تترك شيئا لوجه الله الا عوضك الله خيرا منه، فاترك نومك قليلا ليعوضك الله ما هو خير منه و هو لذة مناجاته و سؤاله طلب مغفرته، نحن علمنا اننا سنموت ونبعث وسنسال عن اعمالنا التي فرطنا فيها و تركناها، فهيا نجعل عملا قد يكون سببا في فوزنا بالجنة و لنترك شهواتنا قليلا التي لن تنفعنا بشيء يوم يقوم حسابنا.
**كما يجب ان تعلم وفقك الله انه ليس هناك فرق بينا و بين السلف الصالح من حيث الجسم او الشهوات فهم بشر ونحن بشر، و لكن الفرق في كونهم عملوا و نحن نمنا. والله المستعان.
والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك.
(ان اصبت فمن الله و ان اخطات فمن نفسي ومن الشيطان ).