(واختلاف ألسنتكم)وقفة عند قوله تعالى :
المسلمون والعرب بين العربية والانجليزية:
قال القس س.م زويمر في كتابه (جزيرة العرب مهد الإسلام) :
يوجد لسانان لهما النصيب الأوفر في ميدان الاستعمار
المادي، ومجال الدعوة إلى الله، وهما: الانكليزي والعربي، وهما الآن في
مسابقة وعناد لا نهاية لهما لفتح القارة السوداء مستودع النفوذ والمال،
يريد كل منهما أن يلتهم الآخر، وهما المعضدان للقوتين المتنافستين في طلب
السيادة على العالم البشري أعني النصرانية والإسلام.انتهى
حقاً إن للغة العربية ميزاتها الكثيرة التي اشتملت عليها فهي لغة القرآن
الكريم ( قرآنا عربيا)، كما أنها سهلة وسلسة الفهم والاستيعاب.
وبعض الذين تأثروا بالمستشرقين قالوا: إن اللغة العربية من أصعب اللغات،
وهي لا تصلح أن تكون لغة الحضارة ولا لغة التقدم ولا لغة التمدن، لأنها
قاصرة على استيعاب المتغيرات، والتأقلم مع المستجدات.
وهذا غير صحيح إطلاقاً.
ذلك لأن اللغة العربية فضلاً ن كونها لغة أصلية أصيلة، فقد حافظت على مكانتها رغم كل هذه السنين، واستمرت في حضورها كل هذه السنوات.
ولا أدل على سلاستها وعلى سهولتها من أمر واحد، وهو:
أن تنظر فقط لأرباب اللغة العربية من علماء اللغة العربية الذين أسهموا في حفظها ونشرها وتيسيرها للناس حسب أزمانهم.
فإنك ستجد أن أغلبهم كانوا من غير العرب الأصلاء.
مثل سيبويه صاحب كتاب (الكتاب) في النحو، وسمي هذا الكتاب باسم ( قرآن النحو ).وسيبويه من بلاد فارس ولد بمدينة البيضاء في اصطخر.
والأخفش الأوسط وقطرب ،وابن جني (رومي) و أبي علي الفارسي
وغيرهم الكثير.
هذا غير العلماء غير العرب في العلوم الأخرى كعلم الحديث(البخاري ومسلم و..) وعلم التفسير وعلم الفقه و...
مما يعطينا إفادةً بأن اللغة العربية لها من سهولة التعليم وليونة الحفظ ما ليس لغيرها من اللغات.
وفي عصرنا هذا إن أنصفَ الناظر والمتمعن لما حوله، يجد طلاب العلم وخاصة
العل الشرعي ممن يفدون من دول ليست عربية كآسيا وأفريقيا وأوربا للتعلم في
جامعات الدول العربية ككلية الشريعة في دمشق وجامع الأزهر في مصر وجامعات
السودان، وجامعات السعودية ودول المغرب، فإنك ستجد أنهم يتعلمون بسرعة
اللغة العربية ويتقنوها.
قال العالم الفرنسي مارسي: "من السهل جداً تعلُّم أصول
اللغة العربية, فقواعدها التي تظهر معقدة لأول نظرةٍ هي قياسية ومضبوطة
بشكل عجيب لا يكاد يُصدق, فذو الذهن المتوسط يستطيع تحصيلها بأشهرٍ قليلةٍ
وبجهدٍ معتدل".اهـ [مجلة مجمع اللغة العربية, المجلد44, ج1, ص46].
والذي يحز الأسى في النفس ويغمر الفؤاد بالحزن هو شيوع مقولة أن اللغة
العربية لغة جامدة وصعبة ولا تتأقلم مع الحضارة، والذي يلوك هذه المقولة
المحسوبون على العلماء والمثقفين وكبار الأدباء .
وَسِعْتُ كتاب اللهِ لفظاً وغايةً *** وما ضِقْتُ عن آيٍ بهِ وعِظاتِ
فكيف أضيقُ اليومَ عن وصفِ آلةٍ *** وتنسيق أسماءٍ لمخترعاتِ
أنا البحرُ في أحشائه الدرُّ كامنٌ *** فهل سألوا الغوّاصَ عن صدفاتي
وقد تبين لك بطلان ذلك مما سبق.
والسبب الذي دعى الكثير لمثل هذا القول هو عجزهم عن تعلم اللغة العربية،
وتغطية لنقصهم في رصيد اللغة العربية فيهم، وبروز أخطاءهم الإعرابية أو
التعبيرية-ولا أحد معصوم- فتراهم في كل ناد يرددون هذه الفكرة، وفي كل محفل
يقولونها.
وأنا أعترف أن اللغة العربية واسعة كالبحر، والإحاطة بها متعذر لتسلط النقص على البشر، لكن ليس للدرجة التي يقولها هؤلاء الناس.
إن منطق العقل وواقع الأمر وحديث التاريخ ينبئنا عن عظمة اللغة العربية وتميزها وتفردها في شتى النواحي:
فهي لغة أهل الجنة:
روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعاً
بذراع الملك, على حسن يوسف, وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثون سنة, وعلى لسان
محمد صلى الله عليه وسلم..). [حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 6/43].
وعلى لسان محمد: أي على لغته، وهي اللغة العربية.
ولسانُ الجنةِ منْ لُغتي *** للحُورِ بها والوِلدانِ
سـأظلُّ أُردد مفتخِراً *** ببيـانٍ عَذْبٍ فَتّانِ
لُغتي يا أجملَ أُغنيةٍ *** يَحميكِ إلهُ الأكوانِ
وهي لغة القرآن،(إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم
تعقلون), (قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون), ولغة العلم في عصور إزدهار
الحضارة الإسلامية، وكان الكثير والكثير جدا من علماء الإسلام من غير
العرب، ولاحتوائها على مفردات كثيرة فقد كانت مبدعة في استيعاب مستجدات
الحياة، وقابلة لكلمات وافدة التصقت بها فأصبحت منها، وهذا ليس عيبا لأن
ذلك يدل على فاعلية اللغة وتطورها،
ويكفي أن تفتح أحد المعاجم لتستخلص كلمات كثيرة مُعَرَّبة ، تدل على أن اللغة العربية واكبت التطور
كمثل: المنجنيق، السندس، البيمارستان، الفالوذج، البارود، الفندق،البرجاس،
بوظة - نرجس - زئبق- آجر - جوهر(مجوهرات) - طربوش - مهرجان - باذنجان -
توت - طازج - فيروز وعشرات الكلمات .
وهذا يدحض ما افتراه المفترون عن اللغة العربية.
وبالمقابل فقد دخل إلى اللغات الأوروبية أكثر من ألف كلمة عربية:
كـ: الفندق = fondaco , ديوان = douane , دفتر = defetari , رحبه = rahba ,
حجام = cangemi , كابل ( سلك ) = kabel , صك = scheek , تعرفة = tariffa ,
الملح القلوي ( بوتاس ) = calslum , فلوكه ( قارب ) = feluke , قيثارة =
gittare , راحة اليد ( مضرب الكرة ) = rakete , بازار = bazzariotu , سكر =
sucre , حرارة = carara , ترصيع = tarsia , منزل الأمير = misilmeri ,
المقنطرات = almuquantarat , الكحول = al khohol , عسكري = askari , السيد =
cid , مسكين = mesquino , طاسة = tasse , خزانة = gasena , خسارة =
cassara , علقمة = alcamo , تربيع = trabia , فوارة = favara , السكة =
zecca , الرطل = rotola , المعصرة = mazzara , القصر = cassaro , البطيخ =
pastecca , الخليج = galiggi , المحتسب = almotacen ... إلخ .انظر [
العلاقات بين الشرق والغرب للدكتور سعيد عمران ص255 ].
لكن لماذا هذه الهجمة على اللغة العربية؟
إن اللغة هي هوية الأمة الإسلامية والعربية وعمادها وروحها وقلبها،
فبالقضاء عليها يُقضَى على الأمة العربية،ويتحكم العدو بالبلاد الإسلامية،
هذا من جهة .
قال الأديب الألمعي الرافعي: ما ذلت لغة شعب إلا
ذل، ولا انحطت إلا كان أمرها في ذهاب وإدبار، ومن هنا يفرض الأجنبي
المستعمر لغته فرضا على الأمة التي يستعمرها، ويركبهم بها، ويشعرهم عظمته
فيها. اهـ [ وحي القلم 2/33 ].
فهذا الإمام ابن حزم الأندلسي رحمه الله يرى: ان
العربية استمدت قوتها من قوة الدولة الإسلامية, إذ اللغة يسقط أكثرها
ويبطل بسقوط دولة أهلها ودخول غيرهم عليهم في أماكنهم , أو بنقلهم عن
ديارهم واختلاطهم بغيرهم. فإنما يُقيد لغة الأمة وعلومها وأخبارها قوة
دولتها ونشاط أهلها. وأما من تَلِفت دولتهم, وغلب عليهم عدوهم, واستقلوا
بالخوف والحاجة والذل وخدمة أعدائهم فمضمون فيهم موت الخاطر. [الإحكام في
أصول الأحكام 1/32].
وقد كانت أولى توصيات الحاكم الفرنسي لجيشه الزاحف إلى الجزائر:
علّموا لغتنا وانشروها حتى تحكم الجزائر, فإذا حكمت لغتنا الجزائر فقد
حكمناها حقيقة.اهـ[اللغة العربية في التعليم العالي للمبارك ص11].
ومن ناحية أخرى: بالقضاء على اللغة العربية يُقضى على الإسلام نهائياً، لأن
القرآن باللغة العربية نزل، والعلوم الشرعية تُعرَف بها لا سيما الحديث
النبوي والسنة النبوية والفقه الإسلامي وتفسير القرآن، والعبادات تُقام بها
، وغير ذلك.
وشيء آخر: بابتعاد العرب عن لغتهم وتحقيرهم إياه
وتصغير شأنها، واستبدالها بغيرها، يصبح العرب تبع - أكثر مما هم عليه الآن-
لأعدائهم، وتصبح اللغة العربية غريبة عنهم، فتنشر الثقافات الأجنبية،
والجامعات والكليات الأجنبية، وشيئا فشيئا ينسل العرب من دينهم ومن تقاليهم
وأعرافهم، وينقطع حاضرهم عن ماضيهم، وعن مستقبلهم، فيغدون في شرِّ حال.
قال نابليون لبعثته الوافدة إلى مصر: علموا الفرنسية, ففي ذلك خدمةٌ حقيقيةٌ للوطن.اهـ [اللغة العربية في التعليم العالي للمبارك ص11].
وقال اللورد ميكالي عن الهند: يجب أن ننشىء
جماعة تكون ترجماناً بيننا وبين ملايين من رعيتنا وستكون هذه الجماعة هندية
في اللون والدم انجليزية في الذوق والرأي واللغة والتفكير. [نحو التربية
الإسلامية الحرة، للندوى: ص 32]
وقال الصهيوني ليفي أشكول: إننا لن نسمح بوجود لغةٍ واحدةٍ وشعبٍ واحدٍ ودينٍ واحدٍ في الشرق الأوسط.اهـ [جريدة الأخبار المصرية, 15 يوليو, 1964م].
وقل مثل هذا عمن يقول بإبدال العامة مكان الفصحى، ليزداد تشتت العرب وتفرقهم وينقطع ما يجمعهم ببعضهم.
وقد حضَّ النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم اللغة العربية فقال: " جَمَالُ الرَّجُلِ فَصَاحَةُ لِسَانِهِ " القضاعي من حديث الأوزاعي عن جابر(وهو حديث ضعيف جدا).
وقد حرص الصحابة على تعليم اللغة العربية لأولادهم وللمسلمين :
روى الخطيب البغدادي أن علياً وابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم- كانوا يضربون أبناءهم على اللحن. [انظر "الجامع" للخطيب 2/28].
وحرص الخلفاء على تعليم اللغة العربية وعدم الخطأ بها:
- روى أبو عبيد في فضائل القرآن عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : "لأن أعرب آية أحب إليّ من أن أحفظ آية".
- قال عمر بن الخطاب:[ تعلموا العربية وعلموها الناس]. رواه البيهقي وابن
الأنباري في الإيضاح. ورواه ابن أبي شيبة عن أبي بن كعب موقوفا.
روى العسكري من حديث هارون بن عمر ، حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه
، قال : مر عمر بقوم يرمون ، فقال : بئس ما رميتم ، فقالوا : إنا متعلمين ،
فقال عمر : واللَّه لذنبكم في لحنكم أشد عليَّ من ذنبكم في رميتكم ، سمعت
النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول : رحم اللَّه امرأ أصلح من لسانه .
وقال عمر: ( تعلَّموا النَّحو كما تُعلَّمون السُّنن والفرائضَ ).
وأخرج ابن أبي شيبة: كتب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنه: (أما بعد, فتفقهوا في السنة, وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي).
يل إن منهم من كان يُعاقِب من يُخطئ في أثناء الحديث :
كما فعل عمر بن الخطاب لما أخطا أحدهم أمامه فضربه بالدُّرَة.
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي اللعه عنه وقد
قرأ في كتابه لحنا: قَنِّعْ كاتبك سوطا.(أي اضربه سوطا على خطأه ليتأدب ولا
يخطئ مرة ثانية).
وكذلك حرص خلفاء المسلمين وأمرائهم على تعليم أولادهم اللغة العربية والأدب والشعر
ليتهذبوا ويزدادوا علما ومعرفة وبصيرة –ليس كوضع أبناء حكامنا الآن،ينجحون
بالواسطة ولا يعرفون فَكَّ حرف عن حرف، ومثل بعض الملوك والحكام حينما
يُلقون خطابا فإن آلاف الأخطاء تظهر منهم مما يصيبك بالصداع،وتنحدر منهم
الأخطاء كحمم بركان، ويَقْبُحُ هذا الأمر حينما يصدر عمن ينتمون لقبائل
عربية صميمة،فإنا لله وإنا إليه راجعون-.
عكس ما كان عليه خلفاء المسلمين من قبل من العناية باللغة وتعليمهم الأدب والفصاحة كيلا يخطئوا في كلامهم وأحاديثهم:
:
- فقد كان يحي بن عروة و ميمون بن مهران مؤدب أولاد عمر بن عبد العزيز .
مؤدبا(معلما) أبناء عمر بن عبد العزيز.
- وكان أبي العرباض السلمي، مؤدب بنى زياد ابن أبيه.
- ومثل تخصيص هارون الرشيد مُرَبٍّ لتعليم ابنيه الأمين والمأمون وهو أبو محمد اليزيدي و أبي عبد الصمد.
- و دخل الشافعي يوما إلى بعض حجر هارون الرشيد استأذن له عَلَيْهِ فأقعده الخادم عند أبي عبد الصمد مؤدب أولاد الرشيد، قال لَهُ:
يا أبا عبد الله، هؤلاء أولاد أمير المؤمنين وهذا مؤدبهم، فلو أوصيته،
فأقبل على أبي عبد الصمد، فقال لَهُ: ليكن أول ما نبدأ به من إصلاح أولاد
أمير المؤمنين إصلاحك نفسك، فإن أعينهم مغفورة بعينك، فالحسن عندهم ما
تستحسنه، والقبيح عندهم ما تستقبحه، علمهم كتاب الله، ولا تكرههم عليه
فيملوه، ولا تتركهم فيهجروه، ثم زدهم من الشعر أعفه/ ومن الحديث أشرفه، ولا
تخرجنهم من علم إلى غيره حتى يتقنوه، فإن ازدحام الكلام في المسمع مصد
للفهم. (المنتظم لابن الجوزي 10/139).
-وأبو البركات أحمد بن عبد الوهاب مؤدب أولاد المستظهر باللَّه
-وكتخصيص عبد الملك بن مروان مثل نعيم بن سلامة لتعليم أبناءه.
-ولا ننسى الأمير عبد العزيز بن مروان وسعيه في تعليم ابنه عمر.
-وقال سليمان بن عبد الملك: العاقل أحرص على إقامة لسانه منه على طلب معاشه.اهـ[المجالسة لابن قتيبة 4/477].
-و دخل هارون بْن زياد- مؤدب الواثق- عَلَى الواثق، فأكرمه وأظهر من بره مَا شهر به،
فقيل لَهُ: من هَذَا يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ الذي فعلت بِهِ مَا فعلت؟
قَالَ: هَذَا أول من فتق لساني بذكر الله، وأدناني من رحمة الله عز
وجل(المنتظم لابن الجوزي 11/120).
وَقدم مُحَمَّدَ بْنَ قَحْطَبَةَ الأَمِيرَ الْكُوفَةَ فَقَالَ:
أَحْتَاجُ إِلَى مُؤَدِّبٍ يُؤَدِّبُ أَوْلادِي، حَافِظٍ لِكِتَابِ
اللَّهِ، عَالِمٍ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَبِالأَثَرِ، وَالْفِقْهِ،
وَالنَّحْوِ، وَالشِّعْرِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا
يَجْمَعُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا إِلا دَاوُدُ الطَّائِيُّ.( تاريخ
الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام للذهبي10/179)
وقد حضَّ العلماء أمراءهم على تعلم اللغة العربية وعدم الخطأ فيها:
دخل الشعبي على الحَجَّاج فقال له: كم
عطاءَك؟ قال: ألفين. قال: ويحكَ! كم عطاؤكَ؟ قال: ألفان. فقال: فلِمَ لحنتَ
فيما لا يلحنُ فيه مِثلُكَ؟[أي أخطأت فيما لا يخطئ واحد مثلك] ،قال: لحنَ
الأميرُ فلحنتُ, وأعرب الأميرُ فأعربتُ, ولم أكن ليلحن الأمير فأعربَ أنا
عليه, فأكونَ كالمقرّع له بلحنه, والمستطيل عليه بفضل القول قبله. فأعجبه
ذلك منه, ووهبه مالاً. [العقد الفريد لابن عبد ربه 2/125].
وقد حض العلماء على تعلم اللغة العربية وحثوا عليها وشجعوا ذلك:
روى أبو بكر الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء عن الحسن البصري أنه سئل: ما تقول في قوم يتعلمون العربية؟ قال: "أحسنوا يتعلمون لغة نبيهم".
وروى الخطيب عن شعبة قال: من طلب الحديث ولم يبصر العربية كمثل رجل عليه برنس وليس له رأس! [الجامع 2/26].
- و عن حماد بن سلمة قال: مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاة ولا شعير فيها!
- وقال الأصمعي رحمه الله: إن أخوف ما أخافُ على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخلَ في جملة قوله عليه السلام: (من كذبَ عليَّ فلْيتبوأْ مقعدَهُ من النارِ ).اهـ [سير أعلام النبلاء 10/178]
وقال الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله: وفرض
على من قصد التفقّه في الدين كما ذكرنا أن يستعين على ذلك من سائر العلوم
بما تقتضيه حاجته إليه في فهم كلام ربه تعالى، وكلام نبيه صلى الله عليه
وسلم. قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) ففرض على
الفقيه أن يكون عالما بلسان العرب ليفهم عن الله عز وجل، وعن النبي صلى
الله عليه وسلم، ويكون عالما بالنحو الذي هو ترتيب العرب لكلامهم الذي به
نزل القرآن، وبه يفهم معاني الكلام التي يُعبر عنها باختلاف الحركات وبناء
الألفاظ، فمن جهل اللغة وهى الألفاظ الواقعة على المسميات، وجهل النحو الذي
هو علم اختلاف الحركات الواقعة لاختلاف المعاني, فلم يعرف اللسان الذي به
خاطبنا الله تعالى ونبينا عليه السلام، ومن لم يعرف ذلك اللسان لم يَحِلّ
له الفتيا فيه، لأنه يفتي بما لا يدري..) [الإحكام لابن حزم 5/ 124- 126].
وعن سعيد قال: لَحن (أخطأ في القول بالنحو
والاعراب كنصب ما يجر أو جر ما ينصب) أيوب السختياني عند قتادة, فقال:
أستغفر الله.اهـ [حلية الأولياء 3/11].
وقال محمد بن الحسن: ترك أبي ثلاثين ألف درهم,
فأنفقت خمسة عشر ألفاً على النحو والشعر, وخمسة عشر ألف على الحديث
والفقه.اهـ [نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة 5/185].
قال مالك: من تكلم في مسجدنا بغير العربية أُخرِجَ منه.
وختاماً:
لا تلمني في هواها *** أنا لا أهوى سواها
لغة الأجـداد هذه *** رفـع الله لـواها
[center]