حكام المولود في الإسلام
عجائب ولادة المسلم :
جعل الله للمولود في الإسلام أمرًا عجيبًا وشأنًا غريبًا وذلك تأسيًا بميلاد رسل الله الكرام فرسول الله كانت ولادته خرقًا للعادة وليست كأي ولادة عادية لأنه كان يُسَّبِحُ في بطن أمه ويُسْمَعْ تسبيحه وصوته وهو في بطنها وورد أنه وُلِدَ ساجدًا مختونًا مقطوع السُّرة يرفع إصبعه السبابة إلى السماء [1]
وقد ورد أيضًا: أن الملائكة والأرواح الطاهرة نزلت لمولده وذُكِرَ مِمَّنْ حضرن ذلك السيدة آسية امرأة فرعون والسيدة مريم ابنة عمران والحور العين كلُّهن نزلنْ لحضور ولادته وكذلك الطفل المسلم تحضر ميلاده لجنةٌ من الملائكة الكرام فتساعد أمه في إتمام ولادته وهى لا تشعر وتكتنفه من جميع نواحيه لحفظه من الشياطين لأن الطفل الذي يُولَدْ يحاول الشيطان أن يستحوز عليه فَيُنْزِلُ الله جنده لحمايته من مكر الشيطان وكيده ويبقون في ذلك المكان إما أسبوعًا على رأي وإما أربعين يومًا على الرأي الآخر.
فمكان الميلاد تَتَنَزَّلُ فيه الرحمات والبركات ولذلك طلب سيدنا جبريل من رسول الله في رحلة الإسراء أن ينزل في بيت لحم حيث وُلِدَ سيدنا عيسى فقال: إنزل ههنا فَصَلِّ حيث وُلِدَ عيسى
وهذا يدل على المكانة الكبيرة والمنزلة العظيمة لمكان ميلاد الأنبياء وقد قال النبى
{ إذا وُلِدَتْ الجَارِيَةُ بعث الله إليها مَلَكاً يزقُّ البركة زقاً يقول: ضعيفة خرجت من ضعيفة القيِّمُ عليها مُعانٌ إلى يوم القيامة وإذا وُلِدَ الغلام بعث الله إليه مَلَكاً من السماء فقبَّل بين عينيه وقال: الله يقرؤك السلام }[2].
الواجب على الأب نحو المولود:
يجب على الأب أو من حضر ميلاد الطفل من الأقارب ما يلي:
1. الآذان:
أن يؤذن في أذن الطفل اليمنى آذان الصلاة ويقيم الصلاة في أذنه اليسرى على أن يكون ذلك بصوت خافت لا يؤذي المولود وفائدة ذلك حفظ المولود من الشيطانة الموكلة بالصبيان لقول النبى
{وإذا ولد لأحدكم مولود فليؤذن في أذنه اليمنى ويقيم الصلاة في أذنه اليسرى فإن ذلك يحفظه من أم الصبيان} [3]
2. التحنيك:
وقد كان النبى يضع ثمرات في فيه ثم يتناولها ويضعها في فم المولود التماسا لبركة ريقه صلوات الله وسلامه عليه ، وقد حبذ ذلك جماهير العلماء وخاصة إذا كان ذلك على يد رجل صالح لقول النبى
{ سؤر المؤمن شفاء }[4]
وكره ذلك بعض المعاصرين خوفا من وجود مرض معدي ينتقل عن طريق الريق وإن اتفق الجميع على استحسان أن يكون أول شئ يصل إلى جوف المولود طعام أو شراب حلو.
3. الحلق والتصدق:
فقد
(أمر النبى عند ولادة الحسن والحسين الحلاق أن يحلق شعرهما ووزن مقابله ذهبًا وأمر بأن يتصدق به) [5]
فإذا كان المولود ولدًا أو بنتًا له شعر فعلنا معه ذلك تأسيًا بهديه صلوات الله وسلامه عليه .... وإن كان شعره قصير وقليل كمعظم المواليد في عصرنا بسبب تعاطى الأمهات للأدوية أثناء الحمل اكتفينا بالتصدق عن المولود بما يوازي ثمن جرام ذهب تقريبًا أو أقل أو أكثر على حسب السعة، عملاً بقول الله تعالى
( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ )[7- الطلاق].4.
التسمية:
وتكون باختيار اسم حسن له دلالة ومعنى لقول النبى
{أكرموا أبناءكم وأحسنوا أسمائهم }[6]
وخير الأسماء بالنسبة للذكور هي المشار إليها بقوله
{ خير الأسماء ما حُمِدَ وعُبِد }[7]
أي أسماء الرسول والأسماء المضافة إلى صفات الله كعبد الرحمن، وعبد اللطيف وغيرها.... أما بالنسبة للإناث فخير الأسماء ما وافق أسماء أمهات المؤمنين أو الصحابيات الجليلات أو النساء الصالحات..والمهم في كل هذه الأسماء أن تكون عربية ولها معنى معبر.... ويكره التسمي بالألفاظ الأجنبية أو الأسماء التي تثير السخرية والإشمئزاز عند النداء بها.
5. العقيقة:
وهي ذبيحة تذبح عند السابع أو بعده لكل مولود ذكر أو أنثى وهي سنة عند السعة
(وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)
ويأكل منها الأهل والأقارب والفقراء والمساكين لقول النبى
{ على كل مولود عقيقة تعقُّ عنه يوم السابع تميط عنه الأذى }[8]
أما غير المستطيع فليس مطالباً بها وليس عليه شئ بتركه.... أما ما يفعله الناس في عصرنا يوم السابع من إطعام للطعام وتوزيع لمعلبات أو أكياس مليئة بأنواع الحلوى والمكسرات فهي من باب الصدقات إذا نوى صاحبها بها ذلك على ألا يسرف فيها ولا تخرج إلى المباهاة لقول النبى
{ كلوا واشربوا في غير سرف ولا مخيلة }[9]
6. الختان:
وهو سنة للرجال ومستحب للنساء لقول النبى
{ الختان سُنَّةٌ للرجال ومكرمة للنساء }[10]
وقد بدأت الأمم الغربية في ختان الذكور والتشديد في ذلك حفظًا لسلامة عضو الذكورة من الأمراض التي تتسبب من تراكم الميكروبات والجراثيم تحت القلفة القطعة التي تحيط بعضو الذكورة من أعلى ، ويأمر الإسلام بإزالتها أيضاً حفظاً لسلامة المرأة إذ ثبت بالدليل العلمى أن عدم ختان الرجال أحد الأسباب الأساسية لإصابة النساء بأمراض تناسلية عديدة ومنها الخبيث وكثير من الباحثين الغربيين يطالبون بختان الإناث عند الحاجة لذلك - نظرًا للفوائد الكثيرة التي تعود على الأنثى من هذا ولذا تقول الباحثة الأمريكية ماري استوبس في كتابها(المرشد في العلاقات الجنسية)
(إن من خير العادات عند المسلمين عادة ختان الأنثى لأن بعض الإناث يصل حجم البظرعندهن إلى قريب من الذَّكَرِ عند الرجل ومثل هذه كلَّما احتك بظرها بملابسها الداخلية تهيَّجَتْ الشَّهْوَةُ عندها)....،
والهدي النبوي في ختان الأنثى هو قول النبى للمرأة التي كانت تزاول ذلك بين نساء الأنصار
{ يا أم عطية اخفضي ولا تنهكي فإنه أنضر للوجه وأحظى عند البعل }[11]
تنبيه وعبرة::
إذا رزق المرء بمولود جديد فهذه نعمة عظمى ساقها الله إليه فعليه أن يقابلها بالشكر بأن يصلي ركعتين شكرًا لله ، أو بأن يتصدق على الفقراء والمساكين ، أو بأن يطعم الطعام.... ومن تمام الشكر على هذه النعمة ألا يُظهر الفرح بذلك أكثر من اللازم ، أو يتباهى بذلك بين الأهل والأصحاب والجيران - كما تفعل النساء - لأن هذا أمرٌ لا يحصِّله المرء بإرادته ولا يناله باختياره وإنما كما قال الله
( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ )
وقد نبه إلى العبرة في مجئ المولود أحد الحكماء وذلك في قصة رمزية ساقها إلى تلاميذه حيث قال ( ركب رجل البحر مع جماعة كثيرة وبينما هم في عرض البحر هبَّت عليهم ريحٌ شديدة أغرقت السفينة بِمَنْ فيها، ولم يبق إلا لوح من ألواح هذه السفينة طفا على سطح الماء وتعلق به هذاالرجل وصارت الأمواج تتقاذفه حتى اقترب من شاطئ جزيرة وهناك رأى عجبًا، فقد وجد جموعًا كثيرة على الشاطئ تنتظره ومعهم تاج المُلك، وعند وصوله إلى الشاطئ تصايحوا فرحين وألبسوه التاج.... ونادوا به ملكًا عليهم، وهتفوا بحياته، وساروا به في موكب عظيم حتى أوصلوه إلى قصر المُلك وبعد انصراف تلك الجموع أحضر كبار مساعديه وسألهم عن هذا الأمر؟ فأخبروه بأن هذه عادتهم المتبعة في كل عام حيث يستقبلون ناج من البحر وينصبونه مَلِكًا عليهم في كل عام ويقومون بعده بقذفه في وسط غابة مجاورة مليئة بالوحوش الكاسرة، ويبحثون عن غيره وهكذا دواليك فاستوضحهم عن الصلاحيات المخولة له فأخبروه أن كلَّ أمرٍ له مطاع طوال سنة حكمه فعين أحدهم وزيرًا وأصدر إليه ثلاث قرارات أَمَرَهُ بتنفيذها فورًا هي:
1. إزالة هذه الغابة بالكلية.
2. بناء قصر مكانها يلائم أبهة الملك.
3. زراعة حديقة حول القصر تحوي كل خيرات الأرض
وعند انتهاء العام طالبهم بتنفيذ عادتهم، فقالوا: لقد فوَّتَّ الأمر علينا بحكمتك وحسن تصرفك.
والعبرة في هذه القصة حيث يقول: تشير هذه القصة إلى قصة كل مولود يخرج إلى هذه الحياة فالطفل في بطن أمه كالغريق وسط البحر، وعند ولادته ينزل مَلَك فيخرجه بلطف ورقة وحنان على ريشة من جناحه، كالغريق الذي تعلق بلوح الخشب، والجنين في بطن الأم يحيطه الله . بالماء من جميع الجهات حتى لا يتأثر بحركتها واهتزازاتها، ويتولاه الرزاق فيواصله بالهواء والماء والدواء والطعام عن طريق الحبل السريِّ، ويخرج منه بواسطته كذلك الفضلات. وبعد نزوله إلى الأرض يلتف حوله الأهل والأحباب ويقيمون الزينات والاحتفالات ويكون له السلطان على كل مَنْ حوله، وعلى الأعضاء التي معه، طوال عمره في الدنيا فإن أساء في تصرفاته وفي سلوكه قذفوا به إلى جهنم وبئس المصير، وإن أحسن لنفسه واستبدل مقعده في النار بقصر في الجنة - بناه بعمله الصالح وبرِّه وتقواه - فهيئا له الحياة الطيبة الأبدية في جوار الله. وفي ذلك يقول القائل:
لا دَارَ لِلمَرْءِ بَعْدَ الْمَوتِ يَسْكُنُهَا
إِلاَّ التي كَانَ قَبْلَ الْمَوتِ يَبْنِيهَا
فَإِنْ بَنَـاهَا بِخَيْرٍ طَابَ مَسْـكَنُهُ
وإِنْ بَنَـاهَا بِشَرٍّ خَـابَ بَانِيهَا
[1] روى ذلك ابن سعد والبيهقي وأبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب
[2] روى الطبراني ]في الأوسط[ عن أنس قال
[3] رواه أبو يعلى وابن السني في اليوم والليلة والبيهقي في شعب الإيمان من حديث الحسين ابن علي
[4] رواه الدار قطني عن ابن عباس
[5] رواه الترمذي والحاكم من حديث علي
[6] رواه أبو داود من حديث أبي الدرداء
[7] رواه مسلم من حديث ابن عمر
[8] رواه البخاري من حديث سلمان بن عامر
[9] رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس
[10] رواه أحمد والبيهقي والطبراني عن الحجاج بن أرطأة
[11] رواه أحمد وأبو داود عن أم عطية
نَبَاتُ الله
فالإنسان نبات الله يتولى زراعته، ويتعهده برعايته، ويجني ثمرة عمله الله وإلى ذلك الإشارة بقوله عزَّ شأنه
[وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا]
فالحق ينزل الماء وهو مني الرجل من سماء الرفعة لأن الرجل أرفع قدرًا في حالة الوقاع ويضعه في أرض المرأة
[وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا]
وهو يشبه النبات في هيئته وإن كانت حالته مقلوبه فالرأس بما فيها من حواس بمثابة الجذر في النبات - حيث به حواس النبات والقوة الغاذية وغيرها والجسم كالجذع للنبات والأذرع والأرجل كالسيقان والأوراق ويمر الإنسان بمراحل النبات فيكون صغيرًا ثم شابًا فتيًا غضًا طريًا، ثم رجلاً قويًا ثم شيخًا، ثم يكون حصاده، من الذي يحصده؟ الزارع له - وهو الله فإن كان زرعًا له ثمرة من الصالحات والقربات فهنيئًا له الجنة، وإن كان زرعًا ليس له ثمر من الطاعات والخيرات فهو حطبٌ توقد به جهنم
{ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }
ولذلك ورد في الأثر أن الناس كالشجرة فمن الشجر من له ظل وله ثمر ومنه من له ظل وليس له ثمر، ومنه من ليس له ظل ولا ثمر.
فأما الصنف الأول الذي له ظل وله ثمرفمثل العلماء العاملين والأولياء والصالحين فمن الناس من ينتفع بالجلوس معهم ولو لم يسمع علمهم لأنهم يوجهون الناس بعلمهم وينهضونهم بحالهم ويدعونهم إلى الصراط المستقيم بسلوكهم وهديهم ومنهم من يُقبل على علومهم الإلهامية يغترفون منها وهي ثمرة طاعاتهم ونتاج إخلاصهم - لقول النبى
{ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ }[1]
وأولئك هم المقربون وأما الذي له ظل وليس له ثمر فكأهل اليمين من المؤمنين: وهم صالحون في أنفسهم، مطيعون لله بأعمالهم ينتفع بهم من يجالسهم - لتأثره بسلوكهم وأخلاقهم - وإن كانوا لا يوجهون غيرهم بأقوالهم ولا يرشدونهم بتوجيهاتهم، فيكفيهم أنهم يعزلون شرَّهم عن غيرهم، ويَسْلَمُ الخَلْقُ من أيديهم وألسنتهم.
وأما الذي ليس له ظل ولا ثمر فكالفاسق والفاجر والعياذ بالله: فلا هو ينفع نفسه - بقوله أو بعمله - ولا ينتفع به غيره بل إنه يجلب الضُّرَّ لنفسه بسوء فعله، ويصيب غيره بضُّرِّه فهو كشجرة الشوك كلُّ مَنْ مرَّ بها آذته وكذلك هو يؤذي الناس بلسانه بالسبِّ والشَّتم والغِيبة والنميمة وغيرها ويؤذيهم بيده بشكاية أو سرقة أو قتل وهكذا، فالمؤمن يجب أن يكون كالشجرة الطيبة من يأوي إليه يجد العطف ويشعر بالحنان والرقة ويحس باللطف والأنس ومن يلمسها يشم منها رائحة القرآن وأخلاق النبي العدنان وأحوال الصالحين والمتقين، فيكون كما قيل في الأثر الوارد عن الصالحين:
{ عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم }
ومثل هذا هو الذي فهم الحكمة من الأذان والإقامة في أذن المولود
فالأذان والإقامة يقتضيان الصلاة فمتى هذه الصلاة؟ إنها صلاة الجنازة لهذا العبد لأنها تصلى بدون أذان أو إقامة فكأن عُمُرَ العبد مهما طال فهو كما بين إقامة الصلاة وتكبيرة الإحرام في إفتتاح الصلاة فما أصدق قول القائل إذاً:
دَقَّاتُ قَلْبِ المَــرْءِ قَائِـلَةٌ لَـهُ............. إِنَّ الحَيَـاةَ دَقَــــائِقٌ وَثَوَانى
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَ.........ا فَالذِّكْرُ لِلإِنْسَــــانِ عُمْرٌ ثَانِ
وما أجمل قول أحد الصالحين :
يا أيها الماء المهين من الذي سواك
ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاك
يا نطفـــة بقـرارهـــا قـــــد صـورت
مــــن ذا الــــذي بحنـانـــــه أنشــــــاك
ومن الذي شق العيون فأبصـــــرت
ومـــن الـــــــذي بظهــــــوره أعــــــلاك
ومن الـذي غـــــذاك مــــــن نعمــائه
ومـــن الكــــــروب جميعهـــــا أنجـــــاك
ومن الذي تعصى ويغفـــــر دائمًـــا
ومـــن الــــــــذي تنســـى ولا ينســــــاك
ومن الذي بألست أسمعك النــــــداّ
...ومـــن الــــــــذي بوصــــــاله نـــــــــاداك
ومن الذي يدنو إليك بفضــــــــــله
وإذا سـألت جنابـــــــــــــه أعطـــــــــــــاك
ومن الذي عند الشدائـد تقصـــدن
ومـــن الــــــــذي إن تســـــــألن لبــــــــاك
ومــن المجيب ذا سـألت جنابـــــه
وإذا طـلبــــت وداده أعطـــــــــــــــــــــــاك
ومــن الذي منح الجميل بفضــــله
ومـــن الــــــــذي بتــلطــف أحيـــــــــــــاك
ومـــن الذي كشف الحجاب توددا
حتـــــــــى رأت أنـــــــــــــــواره عيـنــــــاك
ومـــــن الذي ملأ الفــؤاد بحبِّـــــه
وبســــــره عند الصــــــــــــفا ناجـــــــــــاك
ومـــن الــذي أولاك نـور جمالــــه
وبذكـــــــره وشــــهـوده صــــافــــاك
فـــــــكـــر تــــراه ظاهـرًا بجمـــاله
متـنزلاً وهــــــــــــــــــو الـــــــــــــذي والاك
بِــــــــكَ قَــــــدْ سَــمِعْتُ لَكَ اعْتَرَفْتُ
فَنَظْرَةٌ أُعْطَى بِهَا يَا سَــيِّدِى جَـــــــــــــدْوَاكَ
والوجـــــــــه أشـرق حولنا بجمـاله
وعيوننـــــا قــــــــــــــد تشـهد الأمــــــــــلاكّ
ســــــــلم على المحبوب نـور قلوبنا
طـــــــــــــــــــــــــه الـــــــذي بجمـــاله حلاَّك
والشاعر الحكيم قال:
وفي قبض كف الطفل عند ولادة
دليــــــل على الحرص المركب في الحي
وفي بسطها عند الممات إشـارة
ألا فانظروا أني خرجــــــت بـــــــــلا شـئ
[1] رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس
منهج العناية بالطفل في الاسلام
أسرار الرضاعة الطبيعية :
أكد الله على أَمْرٍ مهم تنصَّلت منه بعض الأمهات في عصرنا هذا ، وبدأن ينصحن أنفسهن بذلك لا سيما اللاتي يذهبن إلى ميادين الأعمال ، حيث تنصح إحداهن الأخرى قائلة:إياك أن ترضعي طفلك رضاعة طبيعية لأن ذلك يجعل صدرك يتهدل ويصبح قوامك غير رشيق
لكن الله كما قال في كتابه:
( إِنَّ رَبَّكَ لَبالْمِرْصَادِ )
فقد خرج علينا الطب الحديث ليحذرهن من ترك الرضاعة الطبيعية عن طريق ثدي الأم أو التهاون بها لأن ذلك يعرض الأم لمرض سرطان الثدي والذي ثبت علميًا أن الرضاعة الطبيعية هي خير وسيلة لاكتساب المرأة المناعة من الإصابة به.
فالمرأة التي تخشى من إرضاع طفلها خوفًا على مظهرها ، قد تتعرض لإزالة الثديين بالكلية إذا أصيبا بهذا الداء الخبيث وصدق الله إذ يقول
(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)
والحول هو سنة هجرية كاملة
وكل الأحكام الخاصة بأمور النساء في القرآن من حيض ونفاس وعدة وحمل ورضاع تحسب بالأشهر الهجرية لأنها هى التي نزلت بها الأحكام التشريعية.
ولذا أمر الله بالرضاعة من ثدي الأم وحث عليه حتى في أحلك الظروف فهذا فرعون مصر عندما أصدر أمرًا لجنوده بقتل كل مولود يولد ذكرًا لبني إسرائيل خشية زوال ملكه وكانت أم موسى حاملًا به فأعدت خطة لإخفائه عن فرعون وجنوده عقب ولادته ولم تفكر في أمر الرضاعة ولكن الله لإحاطته سبحانه وتعالى بأثر هذه الرضاعة الطبيعية أشار عليها بذلك قائل
( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ )
ومن أجل أن يؤكد لنا الله على أهمية هذه الرضاعة.... حَرَّمَ على موسى أثداء النساء ووجه أخته لتقتفي أثره وتتعرف على خبره، فلما وجدته لا يرضع دلتهم على أمه فأرجعه الله إلى أمه ليرضع من ثديها حرصًا عليه وإلى ذلك الإشارة بقول الله :
( وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ )
لماذا كل هذه العناية من الإسلام بالرضاع من ثدي الأم؟
لأن بالثدي المعمل الإلهي الذي جهزه الله لتغذية وإرواء وتحصين الولدان ومهما تقدمت البشرية في العلم واخترعت من أجهزة ومعدات فلن يستطيع أفذاذ العلماء أن يجهزوا معملًا لتغذية الطفل الرضيع بهذه الكيفية الإلهية فإنه ينزل اللبن بقدر معلوم على قدر حاجة الصبي فأول جرعة تخرج من هذا المعمل للطفل عقب ولادته وتسمى
(لبن المسمار)
تحوي كل العناصر التي يحتاجها جسم الطفل لتنشيط أعضاءه وتأهيله لمواجهة هذه الحياة......
كما أنها تحوي تطعيمًا واقيًا لكل الأمراض التي يتعرض لها الطفل في هذه الفترة .....وهكذا يقوم الثدي بإمداد الوليد بما يحتاج إليه من عناصر غذائية وأمصال وقائية كلما تقدمت به السن....
وليس هذا فقط بل إنه يجعل اللبن للطفل حارًا شتاءًا باردًا صيفاً حتى لا يتعرض الطفل للنزلات المعوية والإصابات الصدرية التي يتعرض لها من يرضعون بالوسائل الصناعية ويستغنون بها عن الرضاعة الطبيعية....
والأعجب من هذا أن هناك جهازًا غير مرئي يتخاطب بلغة ربانية بين معمل الألبان في ثدي الأم وبين الطفل فعندما يحس الطفل بالجوع تجد المعمل الرباني بالثدي وقد جهز الوجبة الكاملة والأم تترجم عن ذلك قائلة: أشعر بأن اللبن كثير في ثديي، فقد طلبه الطفل بطريق غير مباشر فجهزه له الإله القادر
كيف يلتقم الطفل حلمة ثدي الأم؟ وكيف يقوم بمص الثدي ليدر اللبن؟
إن ذلك كله يتم بإلهام مباشر من الله ولذلك حتى بعد نمو أسنانه فإنه لا يؤذي الثديين بها بينما ينزل اللبن معقما تعقيما كاملًا مع مراعاة تدرج النمو للطفل فمثلًا عند ظهر أسنانه تجد نسبة الكالسيوم تزيد في اللبن لحاجة الأسنان إلى هذا العنصر في نموها ومن بديع صنع الله أن الأم التي ترضع طفلها من ثديها يرجع رحمها إلى حالته العادية بإذن الله في وقت يسير حيث أثبت الطب الحديث أن هناك علاقة بين حركة مص الثديين للطفل وانقباض عضلات الرحم أضف إلى ذلك أن الرضاع يحفظ نسبة كبيرة من الأمهات من الحمل أثناء رضاعها لطفلها وقاية من الله وعناية منه سبحانه وتعالى بالأم وطفلها
تأثير الرضاع في الطباع
إن الأسرار الطبية والعلمية للرضاعة الطبيعية كثيرة جدًا لا نستطيع حصرها في هذا المختصر، ولكن القرآن الكريم يلفت نظرنا إلى أمر غريب يحدث للطفل الذي يرضع من ثدي أمه وهو أن الأم مع رضاعها لطفلها تعطيه حنانها وتمده بعطفها، وتوليه شفقتها، وتؤثر فيه برحمتها فيشب الطفل حليمًا لا يغضب بسرعة، ولذلك تجد الطفل الذي يرضع بالوسائل الصناعية سريع النرفذة، كثير الضجر، ملول، لأنه لم يرضع الحنان والعطف والشفقة من أمه وقد قال الحكماء في ذلك: إن الرضاع يغير الطباع...
ومن أعجب ما روي في ذلك أن الإمام الحسن البصرى رضى الله عنه وهو إمام التابعين في الزهد والورع والفقه
" إنما يرجع السبب في ذلك إلى مصَّةِ لبنٍ مصَّها من ثدي السيدة أم سلمة رضى الله عنها زوجة النبي وتفصيل ذلك أن أمَّه كانت تخدمها، وكانت السيدة أم سلمة ترسلها في قضاء مصالحها وترقب طفلها حتى تحضر، فكان أحيانًا يبكي فكانت تعلله بوضعها لثديها في فمه وإن كان ليس به لبن، لأنها كانت قد تجاوزت الثمانين. وشاءت إرادة الله أن تحدث المعجزة ففي أحدى هذه المرات إذا بالثديي يمتلئ باللبن ويرضع منه الطفل حتى يشبع وقدأرجع العلماء سر علو شأنه في العلم والفقه والورع والزهد إلى هذه الرضعة وقد حدث أيضًا أن أسلم رجل نصراني على يد أحد الصالحين فسماه صهيبًا الرومي وذات يوم قال له:
(يابُني زُرْ أُمَّكَ التي أرضعتْكَ لبنَ الإسلام)...فتعجب من هذا الكلام وذهب إلى أمه وكانت قد هداها الله للإسلام وسألها عمن تكون المرأة التي أرضعته غيرها، فأخبرته أنها بعد ولادته مرضت مرضًا شديدًا وأجرت على أثره عملية جراحية،وقد منعها ذلك من إرضاعه لمدة ستة أشهر كاملة، فتولى إرضاعه في تلك الفترة جَارَةٌ لهم مسلمة ذكرتها له فعلم علم اليقين أن تلك الرضاعة وذلك اللبن هما السبب في هدايته إلى التوحيد، وإصابته فطرة الله التي فطر الناس عليها.
لهذا كله أمرنا الله ن نرضع الطفل من الأم، حتى أنه لو حدث شقاق بين الزوجين، وانفصلت الأم عن زوجها فإن الشريعةا لإسلامية تلزم الأب أن يسلم الطفل إلى الأم لترضعه من ثديها ويدفع لها الأب تكاليف رضاعها، ويعطيها أيضًا أجرًا على إرضاعها لطفلها. إلا إذا رفضت الأم ذلك فعلى الأب أن يحضر للطفل امرأة أخرى ليرضع من ثديها أيضًا ويتحمل تكاليف ذلك وإلى ذلك الإشارة بقول الله
( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ َوَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )
وتلك عناية لم يسمع بها الأولون ولا الآخرون نحو الطفل الرضيع وفي ذلك يقول الشيخ محمد على سلامة في كتابه
[خواطر إيمانية ص12]
: إن الأم ترضع الولد مع لبنها الرحمة والعطف والحنان والحب والوفاء والإخلاص والبر والود والإحسان ومعان كثيرة تتعلق بصفات الأم من الإيمان والشجاعة والثبات على المبدأ أو التفاني في سبيل الحق والواجب وحب الوطن وغير ذلك، ويظهر ذلك من قول الله تعالى:
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ )
وما أحسن قول حافظ إبراهيم:
الأم مدرسة إذا أعددتهـا
أعددت شعبًا طيب الإعراق
الأم روض إن تعهده الحيا
بالري أَوْرَقَ أيَّمــا إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الأولى
شغلت مآثرهم مدى الآفاق
كراهة الحمل أثناء الرضــاع
والرضاع وقت الجماع
إن الإسلام بلغ أرقى ما وصلت إليه الحضارات قاطبة في عملية الرضاعة الطبيعية ومن عجائب وصايا رسول الله فى هذه الناحية قوله:
{ ولا تقتلوا أولادكم سرًا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه }[1]
والغيل هو أن تحمل الأم وهي ترضع.... وقد نهى رسول الله عن الحمل أثناء الرضاعة ـ والنهي هنا على سبيل الكراهة ـ حتى تأخذ الأم قسطها من الراحة بعد عناء الحمل والولادة ويأخذ الرضيع حقه من الرعاية والعناية التى أوجبها الله له...
فالأم إذا حملت يتغير اللبن في صدرها فيضر رضيعها وهذا بالإضافة إلى أنها لا تستطيع أن تغذي الجنين والرضيع في وقت واحد فلا بد أن تتفرع لواحد منهما.
وفي ذلك يقول الشيخ محمد على سلامة
[في كتابه (خواطر إيمانية) ص 15]:
(ومعنى الحديث - والله أعلم - أن لا تأتوا الأمر المستتر بينكم - وهو الوطأ - أثناء إرضاع أولادكم فيتسبب عنه الحمل الذي يودي بحياة أولادكم وهذا توجيه كريم من رسول الله وتنبيه إلى أن مباشرة الزوجة أثناء رضاعها إغتيال لحق الطفل وهضم له لأن في هذا هلاك له سرًّا أي بطريقة لا يعرفها أحد إلا الخاصة من الأطباء والعلماء بسنَّة النَّبيِّ لأنه هو الطبيب الذي بعثه الله لعلاج الإنسانية وحل مشاكل المجتمع في كل ناحية من نواحي الحياة وهذا الحديث يعتبر من الإعجاز النبوي الذي يخبر عن دقائق العلوم التي كشف عنها الطب بعد طول الزمن مع ملاحظة أن الرسول قال:
(لا تقتلوا أولادكم سرًّا كأن حمل المرأة أثناء إرضاعها الطفل قتلاً له).
وقد نبه الإسلام على أمر طبي عظيم وهو ألا ترضع الأم طفلها بعد قيامها بمجهود جسماني أو عصبي كبير فنهى الأم عن إرضاع طفلها بعد الجماع إلا بعد أن تغتسل أو تغسل ثديها لماذا؟.
لأن الدم يجري في جميع عروقها في تلك اللحظة فربما ينزل اللبن مختلطًا بالدم فيمرض منه الطفل فتكون هي التي أمرضته لأنها لم تلتزم بأحكام الله وبأوامر سيدنا رسول الله وجاء في كتاب
(أسرار القرآن) جـ2 ص52:
(فإن نكاح الرجل زوجته وهي ترضع سبب في إمراض المولود إلا إذا إحتاط لنفسه فأمرها بالامتناع عن رضاع الولد حتى تطهر لأن هذا النكاح يجعل الدم يسري في الثديين فإذا أرضع الولد عقب الجماع مباشرة تسمم وأكثر أمراض الأطفال من هذا العمل الجاهلي)
وقد أبدى الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه إعجازًا في إدراكه لأسرار بكاء الطفل وذلك حين أشار علينا بعدم التخوف من كثرة بكائه لإخباره فى معنى حديثه أن بكاء الطفل تسبيح ولم يُكتشف هذا السرُّ إلا في العصر الحديث حيث يطالب الأطباء بترك الطفل الرضيع يبكي وعدم التسرع في كفِّه إلا إذا زاد عن قدر الاعتدال لأن ذلك البكاء يعمل على توسيع الصدر والرئتين فسبحان الخلاق العليم الذي قدر كل شئ خلقه ثم هدى.
[1] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبراني عن أسماء بنت يزيد بن السكن
رعاية الصبيان
فإذا شب الطفل ودرج يبدأ الوالدان في ترويضه على المبادئ الدينية ليشب عليها أنسًا بها متعشقًا لها وليعلما علم اليقين أن أول طريق يكتسب به الصبي القيم والآداب هو المحاكاة والتقليد وخاصة لوالديه لأنهما المثل الأعلى لناظريه في هذه المرحلة المبكرة وقد نبه إلى خطورة انتقاش ما يصدر عن الوالدين في أذهان الأولاد وتقليدهم فيه ونشأتهم عليه الرسول صلوات الله وسلامه عليه وقد روى ذلك عبد الله بن عامر فقال: تهذيب الصبي
ومع مراقبة الوالدين الفاحصة أوصى الإمام الغزالي الأب أو المربي :
- أن يتجاوز عن أى مخالفة يحدثها الصبي فلا يهتك ستره ولا يكاشفه ولا سيما إذا سترها واجتهد في إخفائها لأن إظهار ذلك عليه ربما يزيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة وإن عاد ثانية عوتب سرًا ويهدده بالعقاب إن تكررت مخالفته.
- وألا يكثر عليه من اللوم في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام في قلبه.
- وأن يكون الأب حافظًا هيبة الكلام معه ولا يوبخه إلا أحيانًا كما يوصي بأن تكون المؤاخذة بالتعريض لا بالتصريح حتى لا يجرح إحساسه ويغريه بالعناد.
فإذا لم يفد ذلك صرح بالإنكار وعاقب بما يراه وهذا مأخوذ من هدي النبي فإنه كان إذا راى تقصيرًا من بعضهم نبه عليه بالعنوان العام أو بعدم تحديد الشخص الذي وقعت منه المخالفة فقد قال رسول الله
(ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم) [1]
وفي رواية أبي داوود عن عائشة: ( كان رسول الله إذا كره من إنسان شيئاً قال: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا).
نصيحة لقمان لإبنه
ونسوق هنا نصيحة لقمان الحكيم الجامعة لولده حيث يقول له:
يا بني خذ عني هذه الخصال الثمان:
الأولى: إذا كنت في الصلاة فاحفظ قلبك.
الثانية: إذا كنت بين الناس فاحفظ لسانك.
الثالثة: إذا كنت في نعمة فاحفظها بالشكر والأدب.
الرابعة: إذا كنت في دار غيرك فاحفظ عينيك.
الخامسة: كن ذاكرًا لله الخالق الحي الذي لا يموت.
السادسة: كن ذاكرًا للموت لأنه كأس يشربه الجميع.
السابعة: كن ناسيًا إحسانك إلى الآخرين.
الثامنة: كن ناسيًا إساءات الآخرين إليك.
(يا بني لا تذكر آلامك للآخرين فأغلبهم لا يهتم بها اعتبر بمن مضى قبلك ولا تكن عبرة لمن يأتي بعدك صل من قطعك وأحسن إلى من أساء إليك وقل الحق ولو على نفسك العظيم من يبتسم عندما تكون دموعه على وشك الانهيار) [2]
[1] رواه البخاري عن أنس بن مالك
[2] عن كتاب ( الإسلام ورعايته للطفولة) للشيخ منصور الرفاعي عبيد ص 22
يتــــــبع بإذن الله
{ دَعَتْنِي أُمِّي يَوْماً وَرَسُولُ الله قاعِدٌ في بَيْتِنا فقالَتْ هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقالَ لَهَا رَسُولُ الله : وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟ قالَتْ أُعْطِيهِ تَمْراً، فقالَ لَهَا رَسُولُ الله : أُمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئاً كُتِبَتْ عَلَيْكَ كَذِبَةٌ }[1]
وتتركز رعاية الصبيان في هذه الفترة على الآداب والأخلاق وقد أشار الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين) إلى نموذج من رياضة الصبيان منها:
عدم لبس الملابس التي توحي بالأنوثة والنعومة ومقاطعة من يلبسونها والاجتهاد في تعليم الصبي حكايات الأخيار ليغرس في نفسه حبهم والاقتداء بهم وعدم تعويده النوم في الفراش الوثير حتى لا يألف النعومة وأن يعوده الأخلاق الاجتماعية بعدم الفخر على أقرانه بما يملكه والده أو بشئ من مطاعمه وملابسه وأن يعف عما في يد غيره من الأغنياء أو الفقراء كما يعوده الصدق وعدم الحلف وأن يحسن الاستماع ولا يبدأ الكلام إن كان معه من هو أكبر منه وأن يصون لسانه عن اللغو والسب ولا يخالط من يفعلون ذلك
وينبه الشيخ عطية صقر في كتابه (تربية الأولاد في الإسلام)ص311 إلى خطورة هذه المرحلة فيقول:
(وليحذر المُربِّي أبًا أو أمًا أو معلمًا أن يلقن النشء معلومات خطأ أو تسليتهم بحكايات خرافية وليبعد كل البعد عن القصص الغريب الذي يروع الطفل أو يضلله أو يشوه أفكاره كما يجب أن تنبه الأم على الخصوص إلى خطر الأغاني التي ترقص بها الطفل وتدللـه فإن سمعه إذا تعودها حفظها والمعلومات التي تحويها ترسخ في ذهنه ويصعب انتزاعها وهو يتصرف على هديها إن عاجلا أو آجلا وخطر الإذاعات المسموعة والمرئية في هذا المجال كبير فلنجتهد أن تكون الأغاني والأناشيد حاملة معاني الرجولة والبطولة والعفة والأمانة والإخلاص والوفاء وطاعة الوالدين وحب الوطن وسائر الأخلاق الحميدة)
[1] رواه أحمد وأبو داود والبيهقي