يزداد الاعتراف تدريجياً
بالمحميات البحرية على أنها النوع اللازم من المناطق البحرية المحمية التي
توفر مستوى الحماية الضروري لضمان استعادة واستمرارية السلامة والإنتاجية
في بحار العالم ومحيطاته. وفي تصريح بالإجماع حول منافع المحميات البحرية،
ذكر الاتحاد الأميركي لتطور العلوم أن "الحماية الكاملة (التي تتطلب عادة
تطبيقاً ملائماً ومشاركة عامة) تُعتبر جوهرية لتحقيق هذه المجموعة
المتكاملة من المنافع. فالمناطق البحرية المحمية لا تقدم المنافع ذاتها
التي توفرها المحميات البحرية"89. ويوصي المؤتمر العالمي للحدائق بضرورة
إنشاء نظام عالمي يدار بشكل فعال، وتطوير شبكات مهمة من المناطق البحرية
المحمية بحلول العام 2012. وتشكل المناطق المحمية بشكل مطلق القاعدة
الأساسية لهذه الشبكة، فيما يوصي المجلس بضرورة تأمين حماية كاملة لما لا
يقل عن 20-30 في المائة من البحار والمحيطات في العالم.
المحميات البحرية كأداة للمحافظة على الأجناس
يرتكز الحفاظ على
الأجناس على حماية تنوع ووفرة الحياة على الأرض. وهذا لا يعني فقط حماية
أنواع محددة من الكائنات الحية ولكن مجموعة متنوعة من الكائنات ومواطنها،
بالإضافة الى المحافظة على التفاعلات المعقدة بين الكائنات الحية التي تكون
النظام البيئي. ويتطلب تحقيق ذلك تطوير مقاربة تأخذ بعين الاعتبار هذه
العناصر كلها. والواقع أن المحميات البحرية التي تحمي مناطق كاملة من
مجموعة متنوعة من التأثيرات البشرية تضطلع بهذا الدور تحديداً، ما يجعل
منها أداة فريدة للمحافظة على الأجناس. فضلاً عن ذلك، ينبغي بالمقاربة
المستندة الى النظام البيئي أن تشمل نشاطات خارج المحميات البحرية، مثل
مراعاة التأثيرات المباشرة للصيد ليس على الأنواع المستهدفة فقط، بل أيضاً
على الأنواع الأخرى التي يتم اصطيادها، وعلى المواطن والإخلال بالتوازن بين
الأنواع.
وتعمل المحميات البحرية
بشكل أساسي كأداة للمحافظة على البيئة. وعلى الرغم من المنافع الأخرى التي
تعود بها على المسامك والترفيه والاستخدامات الأخرى للبيئة البحرية، فإن
منافع الحفاظ على البيئة وحدها هامة بما يكفي للعمل على إنشاء شبكة عالمية.
لم يعد مسموحاً بأن يتم استغلال منطقة بالكامل على اليابسة للبناء
والصناعة والزراعة بدون توفير مساحات طبيعية لضمان استمرارية الأنظمة
البيئية الطبيعية. وبالطريقة نفسها، هذا ما يجب أن تكون عليه الحال في
المحيطات. ولكن في أثناء إنشاء الحدائق الوطنية والمناطق البرية المحمية
على اليابسة، لم يبد بأن هذا الأمر ضروري في المحيطات- فمواردها كانت تعتبر
غير محدودة. بالتأكيد، كانت هناك أماكن طبيعية كثيرة تلجأ إليها الكائنات
البحرية، لأنها كانت نائية ويتعذر الوصول إليها. لكن البيئة الساحلية
وكائناتها كانت مهددة وقتذاك أيضاً. أما الآن، في ظل التقنيات الجديدة،
باتت أبعد المناطق قريبة وقابلة للاستغلال.
أقرت حكومات العالم
بأهمية توريث عالم صحي وحيوي للأجيال المستقبلية والمحافظة على قاعدته
البيئية. وبموجب اتفاقية التنوع البيولوجي، تعهدت الدول بالحد من خسائر
التنوع البيولوجي وإنشاء شبكة موسعة شاملة من المناطق المحمية المحلية
والإقليمية، تدار بشكل فعال، وتضم مناطق تمنع فيها عمليات الاستخراج. وفي
البيئة البحرية، هذا يعني الالتزام بإنشاء شبكة عالمية من المحميات
البحرية.
وقد أظهر إنشاء المحميات
البحرية نتائج طويلة الأمد وغالباً ما ساهم في زيادة سريعة في وفرة وتنوع
وإنتاجية الكائنات البحرية. وفي وقت تبدو منافع الحماية جلية بالنسبة إلى
الكائنات الحية التي تقضي جل وقتها داخل المحمية البحرية، يمكن للمحميات
توفير الحماية للأنواع المهاجرة في حال حمايتها في مراحل ضعفها، ولا سيما
حماية مواقع تكاثرها وحضنها.
تتطلب حماية مختلف أطياف
التنوع البيئي البحري، بالضرورة، أن يتم شمل جميع المواطن الرئيسة في شبكة
محميات إقليمية. وقد طور العلماء معايير مفيدة للمساعدة في التعرف على
المناطق الرئيسة للبيئة البحرية ذات الأولوية التي يجب حمايتها لتحقيق أفضل
النتائج. وهي كما يلي:
المواقع التي تشمل المواطن الحساسة مثل الجبال البحرية.
المواقع التي تضم مراحل حساسة في حياة الأجناس، مثل مواقع التكاثر وحضن البيض.
المواقع القادرة على دعم بقاء الكائنات المستنزفة أو النادرة.
المواقع التي تؤمن خدمات أو وظائف بيئية.
يمكن أيضاً للمحميات
البحرية استعادة توازن الأنظمة البيئية المفقود جراء نشاطات الإنسان. على
سبيل المثال، يمكن لصيد الأنواع المستهدفة أن يخل بتوازن علاقة الكائنات
المفترسة بالفرائس، ما يؤدي إلى تغير الموطن. وحيث أن هذه التغيرات يمكن أن
تحدث على امتداد فترة طويلة من الصيد عند مستويات غير مستدامة، لا يتم
التنبّه أحياناً إلى أن التغير الحاصل في الموطن مفتعل، ولن يحصل ذلك حتى
يتم إقرار المنطقة محمية بحرية فتعود إليها ولأسماك الكبيرة ويُستعاد
التوازن. على سبيل المثال، عند إقامة محمية بحرية في مساحة تتكوّن بنسبة
خمسين في المائة من الصخور التي احتلتها قنافذ البحر (التوتياء)، استعاد
الحيد الصخري غطاءه من الأعشاب البحرية ما إن عادت تجمعات الأسماك الكبيرة
وجراد البحر (التي تتغذى على قنفذ البحر).